لطالما نظر الإنسان إلى السماء متسائلًا عن حجم الأرض وموقعها بين الكواكب، لكن أحد أكثر الأسئلة إثارة في التاريخ العلمي كان: كم تزن الأرض؟
فكيف تمكن العلماء من قياس وزن كوكب ضخم لم يغادره أحد بالكامل؟
في هذا المقال، نستعرض قصة اكتشاف وزن الأرض وكيف توصّل العلماء إلى حساب كتلتها بدقة مذهلة قبل قرون، باستخدام العلم والذكاء البشري فقط.
البدايات: من الأساطير إلى العلم
قبل أن يظهر العلم الحديث، كان وزن الأرض يُعتبر لغزًا محاطًا بالغموض.
فقد اعتقد الفلاسفة الإغريق مثل أرسطو أن الأرض هي مركز الكون وثابتة في مكانها، ولم تكن لديهم وسيلة لمعرفة كتلتها.
لكن مع تطور الفيزياء والرياضيات في القرنين السابع عشر والثامن عشر، بدأ العلماء يدركون أن قانون الجاذبية يمكن أن يكون المفتاح لمعرفة وزن الأرض.
🔗 المصدر: NASA Earth Observatory – Gravity and Mass
إسحاق نيوتن يفتح الباب للحل
في عام 1687، وضع السير إسحاق نيوتن قانون الجاذبية العامة، الذي ينص على أن كل جسم في الكون يجذب الأجسام الأخرى بقوة تتناسب مع كتلها وتتناقص مع مربع المسافة بينهما.
لكن رغم ذلك، لم يكن نيوتن يعرف كتلة الأرض بدقة، لأنه لم تكن هناك وسيلة لقياس قيمة ثابت الجاذبية (G)، وهو المفتاح الأساسي في معادلة حساب كتلة الأرض.
تجربة كافندش: أول من “وزن الأرض” فعليًا
عام 1798، جاء الفيزيائي البريطاني هنري كافندش (Henry Cavendish) بفكرة عبقرية لتحديد وزن الأرض باستخدام تجربة تُعرف اليوم بـ تجربة كافندش.
قام كافندش بتعليق قضيب معدني دقيق على خيط، وفي طرفيه كرتان صغيرتان من الرصاص، ثم وضع بالقرب منهما كرتين أكبر. من خلال مراقبة قوة الجذب الضعيفة جدًا بين الكرات الصغيرة والكبيرة، استطاع قياس مقدار ثابت الجاذبية (G) بدقة مذهلة.
وبعد أن حصل على قيمة هذا الثابت، استخدم المعادلات الفيزيائية ليحسب كتلة الأرض، ووجد أنها تعادل تقريبًا:
🌍 5.972 × 10²⁴ كيلوجرامًا — أي ما يقارب ستة آلاف تريليون طن!
🔗 المصدر: Britannica – Cavendish Experiment
🔗 المصدر: NASA – Earth Facts
كيف نحسب كتلة الأرض اليوم؟
اليوم، يستخدم العلماء بيانات من الأقمار الصناعية وتقنيات القياس الدقيقة لحساب الكتلة الأرضية، وذلك عبر دراسة الجاذبية في نقاط مختلفة حول الكوكب.
تساعد هذه القياسات في فهم توزيع الكتلة داخل الأرض، ومعرفة كثافة القشرة واللب، وحتى مراقبة التغيرات في الجليد والمياه حول الكوكب.
🔗 المصدر: European Space Agency – Gravity Field and Steady-State Ocean Circulation Explorer
لماذا تُعتبر معرفة وزن الأرض مهمة؟
فهم كتلة الأرض لم يكن مجرد إنجاز علمي؛ بل فتح الباب أمام:
-
حساب جاذبية الكواكب الأخرى.
-
تحديد مدارات الأقمار الصناعية بدقة.
-
تطوير علوم الجيولوجيا والفضاء.
-
تحسين أنظمة الملاحة مثل GPS.
كما ساعد العلماء على بناء نماذج دقيقة لتركيب الأرض الداخلي ومعرفة توزيع الكتلة بين اللب والقشرة.
المصدر: European Space Agency – Earth Gravity Models
خاتمة
لقد استغرق الأمر قرونًا من البحث والتجارب حتى استطاع الإنسان أن “يزن” كوكبه دون أن يغادره.
من نيوتن إلى كافندش، ومن المراصد الأرضية إلى الأقمار الصناعية، يمثل هذا الإنجاز واحدة من أعظم قصص الذكاء العلمي في التاريخ — قصة تذكّرنا بأن الفضول البشري لا يعرف حدودًا.
.png)
.png)
.png)
.png)
تعليقات
إرسال تعليق